ذروة سنام الإسلام



ذروة سنام الإسلام


مفهوم الجهاد 

الجهاد لغة مشتق من الجهد بفتح الجيم وضمها وهو بذل واستفراغ مافي الوسع والطاقة
والجهاد شرعاً هو بذل الجهد في قتال الكفار والمرتدين والبغاة ونحوهم عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال قال رجل يارسول الله ما الجهاد فقال صلى الله عليه وسلم أن تقاتل الكفار اذا لقيتم
قال ابن رشيد القرطبي الجهاد اذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا علی مجاهدة الكفار بالسيف

حكم الجهاد وأنواعه

قال تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) وقال النبي صل الله عليه وسلم جاهدوا المشركين باموالكم وانفسكم والسنتكم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية جنس الجهاد فرض عين على كل مسلم
وقال الشوكاني جنس الجهاد الكفار متعين علی كل مسلم
وقال الشيخ حمود بن عقلاء الشعبي قوله جاهدوا المشركين باموالكم وانفسكم والسنتكم هذا أمر منه صلى الله عليه وسلم بالجهاد والأمر يقتضي الوجوب مالم يصرفه صارف إلى الندب أو الإباحة ولا صارف هذا يصرف أمره عليه الصلاة والسلام في الجهاد من الوجوب إلى غيره
فجنس الجهاد فرض عين لا يعذر أحد بتركه وبحسب استطاعة المسلم يكون جهاده أما حكم أنواع الجهآد فيمكن معرفته بعد التعريف بنوعيه وهما جهاد طلب وجهاد الدفع

أولا جهاد الطلب وهو غزو الكفار في عقر دارهم وحكمه انه فرض على كل الكفاية اذا قام به البعض سقط عن الاخرين فإن لم يقم به من يكفي إثم المسلمون كلهم
قال ابن حزم الظاهري والجهاد فرض عين على المسلمين فإذا قام به من يدافع العدو ويغزوهم في عقر دارهم وبحمي ثغور المسلمين سقط فرضه عن الباقين والا فلا

ثانيا جهاد الدفع. وهو جهاد العدو الصائل علی بلاد المسلمين أو أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم فهو فرض عين بإجماع أهل العلم يتعين علی كل مسلم ويحرم فيه الفرار لأنه جهاد ضرورة لا اختيار
ولم يختلف أحد من السلف أن جهاد الدفع فرض عين كالصلاة لا يشرط له شرط كالزاد والراحلة وأذن الوالي .....

متى يتعين الجهاد ويجب علی المسلمين

قال ابن قدامة الحنبلي يتعين الجهاد  في ثلاث مواضع
اذا التقى الزحفان وتقابل الصفان
اذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم
اذا استنفر الإمام لزم المسلمين النفير
وقال ابن عابدين الحنفي أن هجم العدو أو تكاسلوا ولم يجاهدوا فإنه يفترض علی كل من يليهم ولا يسعهم تركه 

مقاصد الجهاد والحكمة من تشريعه 

للقتال في سبيل الله مقاصد عظيمة جليلة منها

أولا إعلاء كلمة الله في الأرض وتحكيم شرع الله وتطبيق الحدود قال الله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله

ثانياً رد العدوان وحفظ الإسلام قال الله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقال سبحانه ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا

ثالثاً نصرة المظلومين والأخذ علی يد الظالمين قال تعالى وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها

رابعا فك الإساری قلل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكوا العاني

خامسا التعرض للشهادة في سبيل الله
وكفى بها غاية ومقصدا فالشهادة أمنية كل مسلم صادق 

فضائل الجهاد

أما الكلام عن فضائل الجهاد فيطول ويطول قال شيخ الإسلام ابن تيمية واعلموا أن الجهاد فيه خير الدنياة والاخرة وفي تركه خسارة الدنياة والاخرة فمن عاش من المجاهدين كان كريما له ثواب الدنياة وحسن ثواب الآخرة ومن مات منهم أو قتل فإلى جنة الخلد ... واعلموا أن من أعظم النعم علی من أراد الله به خيرا أن احياه إلى هذا الوقت الذي يجدد فيه الدين ويرفع فيه شعار المسلمين فكان من المؤمنين المجاهدين حتى يكون شبيهاً بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار
ولقد وردت من فضل الجهاد وثوابت المجاهدين نصوص كثيرة منها قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا هل ادلكم علی تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم أن كنتم تعلمون
يغفر لكم ذنوبكم وبدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة من جنات عدن ذلك الفوز العظيم وآخري تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين

هذه بعض من بعض من فضائل الجهاد فأين المشمرين وأين طلاب الآخرة 

فضائل الشهيد
 

أما فضائل الشهيد التي لا تستحصل إلا بالجهاد فهي أكثر من أن تحصر هنا منها قول الحق سبحانه ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما اتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم إلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ييتبشرون بنعمة من الله وفصل وان الله لا يضيع أجر المؤمنين
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم أن أرواح الشهداء في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل (رواه مسلم)
وقوله صلى الله عليه وسلم للشهيد عند الله سبع خصال يغفر له من أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحكي حلة الإيمان ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويجار من عذاب القبر ويامن من الفزع الأكبر ويوضع علی رأسه تاج الوقار الياقوت منه خير من الدنياة وما فيها ويشفع في سبعين من أهل بيته
حتى أنه ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع الى الدنيا وان له ما علی الأرض من شيء غير الشهيد فإنه يتمنى يرجع فيقتل عشر مرات لما له من الكرامة (رواه مسلم) 

هل يجوز تقسيم المسلمين اليوم لمقاتلين وموظفين (حرفيين)

لا يختلف أحد من أصحاب الفطر السليمة والمنهج الحق بأن الجهاد اليوم فرض عين على كل مسلم وان كل من لم يجاهد هؤلاء الصليبيين والصفويين والعلمانيين والوثنيين الصائلين علی الدين وانشغل بمتاع الحياة الدنيا فلا يؤمن عليه من النفاق ولا يعذر في هذا الحكم أحد فاصحاب الأعذار الذين عذرهم الله ( كالاعرج والاعمي) إنما عذرهم في الجهاد بالنفس اما من استطاع منهم الجهاد بالمال واللسان والقلب فلا يعذر ومن هنا تعلم أن أصحاب الحرف والموظفين وغيرهم ممن يعتقدون أنهم غير مخاطببن بالجهاد كونهم علی ثغر وهمية فهؤلاء غير معذورين في ترك الجهاد إطلاقا

ففي الحديث السابق اذا تبايعتم بالعينة واخذتم اذناب البقر ورضيتم بالزرع. ...... وقوله صلى الله عليه وسلم لا تتخذوا الضيعة فتراغبوا في الدنيا
ففي هذين الحديثين الشريفين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لعدد من أسباب الانشغال بالدنيا عن الجهآد وهي الزراعة والتجارة وحيلة العينة والإنتاج الحيواني والصناعات والحرف فالاشتغال بهذه الأمور ليس محرما لذاته لا بل إن المقصود هو أن الانشغال بها في وقت بتعرض به الإسلام والمسلمون لمعركة الوجود أو إلا جتثاث يعد إثما عظيما
قال شيخ الإسلام فإن المدينة لم يكن فيه طحان ولا خباز لعدم حاجتهم إلى ذلك كما أن المسلمين لما فتحوا البلاد كان الفلاحون كلهم كفارا لأن المسلمين كانوا منشغلين بالجهاد وقال فلم يكن البائعون ولا المشترون ناسا معينين ولم يكن هنالك أحد يحتاج الناس إلى عينه أو ماله ليجبر علی عمل أو بيع بل المسلمون كلهم من جنس واحد كلهم يجاهدون في سبيل الله ولم يكن أحد من المسلمين البالغين القادرين على الجهاد إلا ويخرج في الغزو وكل منهم يغزو بنفسه وماله أو بما يعطاه من الصدقات أو الفي أو ما يجهزه به غيره
فتأمل هذا الكلام أبها القاعد عن الجهآد 

اللهم حبب إلينا ذروة سنام الإسلام واستعملنا في الجهاد في سبيلك وصل اللهم علی نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

عاقبة القاعدين والمتخلفين عن الجهآد

قال الله تعالى ( قل إن كان اباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) ففي هذه الآية الشريفة مافيه الكفاية من التهديد والتحزير والتخويف لمن ترك الجهاد رغبة عنه وسكونا إلى ما هو فيه من الأهل فاعتبروا يا أولي الأبصار
وقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا مالكم اذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا اليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله علی كل شيء قدير ) قال القرطبي هذا توبيخ من الله على ترك الجهاد وعتاب علی القعود وعدم المبادرة إلى الخروج ومعنى قوله ( اثاقلتم إلى الأرض ) تثاقلتم إلى نعيم الأرض أو إلى الإقامة بها والتثاقل عن الجهآد مع إظهار الكراهة له حرام علی المسلم 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبايعتم بالعينة واخذتم اذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا إلى دينكم ( رواة أحمد وأبو داود وصححه ابن القطان وقال عنه الحافظ رواية أبي داود في اسنادها مقال وحديث أحمد رجاله ثقات ) وما هذا الذل الذي يعيشه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها اليوم إلا بسبب تركهم الجهاد في سبيل الله لا يماري في ذلك عاقل ولا يجادل فيه إلا جاهل

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات ولن يحدث نفسه به مات علی شعبة من نفاق ( رواه مسلم) والمراد بالتحديث هنا العزم على الجهاد عزيمة صادقة وإرادة جازمة وليس المراد منه خاطرة تمر في النفس ثم تتلاشى في أودية الحياة الدنيا وشعابها
 قال شيخ الإسلام ومن هذا الباب أي النفاق إلا عراض عن الجهآد فإنه من خصال المنافقين قال النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ "

قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه : بَاب ذَمِّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ . ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " صحيح مسلم 3533
قال النووي رحمه الله : المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف ، فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق . وفي هذا الحديث : أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذمّ ما يتوجه على من مات ولم ينوها .
وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي : قوله ( ولم يحدث نفسه ) من التحديث قيل بأن يقول في نفسه يا ليتني كنت غازيا ، أو المراد ولم ينو الجهاد وعلامته إعداد الآلات قال تعالى : " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة " .


ويكون إعداد النَّفس للجهاد بأمور كثيرة منها : معرفة فضل الجهاد وأحكامه وإعداد النّفس بأنواع الطّاعات والعبادات وتربيتها على التّضحية ومراغمتها على الإيثار والبذل في سبيل الله وكذلك الاطلاع والقراءة في سير المجاهدين وأبطال الإسلام والمعارك الإسلامية وتحديث النّفس باستمرار أنّه لو قام قائم الجهاد ووُجد السبيل وحصلت الاستطاعة فلا بدّ من النّفير ومعرفة خطيئة المتولّي يوم الزّحف وإثم الفارّ أمام الكفّار ودراسة السيرة النبوية في المرحلة المكيّة والمدنية وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تحرّك في ذلك الواقع وبأيّ شيء بدأ وكيف كان يستعدّ ويأخذ بالأسباب وفهم مسألة المرحلية في الجهاد والبدء بالعدو الأقرب حتى الانتقال إلى قتال المشركين كافّة ، والحذر من حركات النّفاق مع القيام بأنواع الجهاد الأربعة جهاد النفس والشّيطان والكفّار والمنافقين وأهمية الجهاد بالمال مع الجهاد بالنفس ، واعلم يا أخي أنّه لا يعسر الجمع بين الدّعوة والجهاد فكل منهما له وقته ومجاله بل كان المسلمون المجاهدون الفاتحون يقومون بالدعوة إلى الله قبل المعركة وإذا فتحوا البلد قاموا بدعوة أهلها وتعليمهم دين الإسلام وإذا لم يكن الوقت وقت جهاد وليست هناك معركة قائمة ولا ساحة مفتوحة فإن أبواب الدّعوة مفتوحة على مصاريعها في مجال دعوة الزوجة والأولاد والأهل الأقارب والجيران وعامة المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، وفّقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى ، وصلى الله على نبينا محمد .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق